الحياء زينة المرأة


الأوضاع الحالية ما زالت تجلب إلينا لحظات الألم والحزن وساعات الاستغراب والشحن، بأن المرأة قد حلت محل الرجل والرجل محل الأنثى حتى صار كل واحد منهم من الذين لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونهم في زمرة المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. وروي أيضا أنه يلعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء حتى أن صرح ليس منا ثلاثة، لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء والديوث هو الذي يعرف الزنى في أهله ويسكت عليه مع مقدرته على منعهم 
ومن الملحوظ، أن النسوة قد بدأن الآن لا يتركن أية منصة
 أوحفلة إلا بمشاركتهن الحساسة فيها مع شعورها بأن لا بأس في الاختلاط والمخالطة، من غير التفات إلى ما يحتاج لها من إصلاح معاملاتها ومعاشراتها من الحياء وعدم التبرج. وهذه المقالة تهدف إلى تأييد الحياء بأنه زينة المرأة وبه جمالها وكمالها وفضلها ونبلها ومنه شرفها وترفها وفرحها ومرحها وعليه حولها وطولها.
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت
إن مما يؤيد قيمة الحياء ومكانته في الإسلام إنه يشتمل فيه خلاصة الوحي كما أعلن به الأنبياء بداية فيما رواه البخاري 
"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"
الحياء خلق كريم يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي حق.وقد ورد كثير من الأحاديث والتي تتعلق بالحياء المؤيدة المدعمة لعلو قدره وسمو فضله. ومن أهمها 
عن عمران بن حصين الخزاعي 
 "الحياء خير كله" الحياء كله خير" 
وعنه قال النبي صلى الله عليه وسلم 
"الحياء لا يأتي إلا بخير"
وعن عبد الله بن عمررضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان. 
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها  
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:الإيمان بضع وسبعون- بكسر الباء لا بفتحها وهو الجماع- أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.
ومن الملحوظ، من مثل هذه الأحاديث الواردة في فضله وشرفه أنه خلق عظيم تشوف إليه الشارع، وهو من الأخلاق الحميدة التي أمر الإسلام بتخلقها ورغب فيه صراحة. وهو من أميز ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها وهو منار عزها وموئل سؤددها.فإذا ما تلاشى  عدمت الحياة معناها، هو رأسمالها فيه عزها وبه تحفظ كرامتها وشرف أهلها، وليس هناك امرأة إلا ويزين الحياء خلقها.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء، 
قال ابن القيم: الحياء مشتق من الحياة فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحياء من الإيمان 
قال ابن حبان: فالواجب على العاقل لزوم الحياء لأنه أصل العقل، وبذر الخير وتركه أصل الجهل وبذر الشر.
ولله در الشاعر:  
ورب قبيحة حال بيني 
                         وبين ركوبها إلا الحياء 
فلا والله ما في العيش 
                         ولا الدنيا إذا ذهب الحياء    
في الحياء تقع زينة المرأة  
   وقد أمر الإسلام للمرأة أن على حياء كامل في كل حين وآن. وقد أوصى علي الجارم لبنات مجتمعنا هذا أن تلبس ملابس العفة والحياء ومتخلقة بالسجايا الحميدة والشيم الرضية بقوله
يا ابنتي إن أردت آية حسن 
                         وجمالا يزين جسما وعقلا 
فانبذي عادة التبرج نبذا 
                          فجمال النفوس أسمى وأعلى      
والبسي من عفاف نفسك ثوبا   
                          كل ثوب سواه يفنى ويبلى 
ثم كوني كالشمس تسطع للنا
                          س سواء من عز منهم وذلا 
وإلى أهمية الحياء تشير هذه الآية التي تثني على الفتاة الطاهرة العفيفة الفاضلة النظيفة ابنة الرجل الصالح حين تلقي الرجال 
فَجَآءَتْهُ إِحْدَىٰهُمَا تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍۢ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
وهذا ما وقع في تاريخ موسى عليه السلام حين نصر ابنتي شعيب عليه السلام لما استنصرتا له مع أنه لا مأوى له ولا مبيت نازحا من مصر بالضربة القاضية مترقبا أعداءه بعد مجيئه إلى مدين. حتى صارت زوجة موسى عليه السلام بأمانته التي ظهرت من مشيته أمامه لأن لا يقع النظر عليها وقوتها التي برزت من رفعه الغطاء عن البئر وحده ولا يمكن رفعه إلا لجماعة من الأقوياء.
وقوله تعالى "على استحياء" متعلقة بقولي المشي والقول فينبغي أن يكون مشيها وقولها على الحياء وإنه يدل على أن النسوة عند التلقي بالرجال في غير ما تبذل ولا تبرج ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة أبيه في أقصر لفظ وأخصره كما يحكي القرءان مع أنها تحبه على شيمه الرضية وسجاياه المرضية كما مر ذكرها بخلاف نسوة مجتمعنا هذا حيث يداعبن ويطلن تبصبصن الرجال الذين يتوجهن إليهم. ولله در الشاعر:
أما الخيام فإنها كخيامهم 
                          وأرى نساء الحي غير نسائها 
وقد بات من الواضح لدى الجميع كالشمس البازعة في رابعة النهار وما تغير في وضع النعش في الجنازة إلا وأرشدتها فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحياءها الذي يطلب من النسوة مهما كر الجديدان ومر الفرقدان. وذلك  بأن فاطمة رضي الله عنها شكت أسماء بنت عميس 
إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة، قال: فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة (عليها السلام): ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل.
 ومما يؤكد أهميته حياء عائشة رضي االله عنها فيما رواه الحاكم وصححه الهيثمي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول ﷺ وَأَبِي، فأضع ثوبي، وأقول : إنما هو زوجي وَأَبِي. فلما دفن عمر معهم - فوالله - ما دخلته إلا وأنا مَشْدُودةٌ علَيَّ ثيابي حَيَاءً من عمر
ومنها أيضا ما سمع عمر رضي الله عنه حين خرج ذات ليلة امرأة تنشد أبياتا تطير على جناح التوق لرؤية زوجها-جندي من جنود عمر رضي الله عنه 
تطاول هذا الليل واسود جانبه
وطال على ألا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله وحده
لحرك من هذا السرير جوانبه 
مخافة ربي والحياء يصدني 
 وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
حكاه السيد محمد البكري في إعانة الطالبين حين يبحث عن بعد الزوجين ولا تصبر المرأة فوق أربعة أشهر.
تنشد هذه الأبيات محرضا على الحياء حيث إنما يصدها عن ارتكابها على الخطأ ولولا الحياء لكانت زانية وكيف تمكن على الزنا حيث قال أبو حاتم "إذا اشتد حياءه صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه"  
الوسائل للتخلق بالحياء وتحلي الحياة به 
 ومن الوسائل مراقبة الله في السر والعلن وعلى التي تكسو رداء الحياء أن تكون مراقبة لله في كل حين 
ويراقب المولى بسر والعلن 
                             وعلى الإله بكل أمر عولا 
لا تنس أن الله ناظر قلبك 
                             وحضوره وشهوده لك فاوجلا
   
وقال ابن القيم : فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حييًّا - استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه بترك طاعته أو ارتكاب معاصيه.
 وكذا النظر في عواقب التخلي عن الحياء بما يصيبها من الفضاحة والغضاضة والذلة والعيوب. وعليها مداومة القراءة في فضائل الحياء ومحاسنه والعناية بمضار تركه وأضرار اجتنابه.
 كذا العفة كما قال الغزالي وأما خلق العفة فيصدر من السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع والطاعة والمساعدة وقلة الطمع. وهو من آثار العقل أيضا كما قال الغزالي :فأقل آثار العقل الحياء عن فضيحة الاجتراء.
الخاتمة 
فالفذلكة ، الحياء أمر ضروري للمرأة في جميع حياتها ومعاملاتها كلها ومعاشراتها وعليها أيضا أن لا تخرج من دارها إلا فيما لها بد أو مع من يحل لها الخروج معهم وإن تقدمت أساليب الدوائر التلفزيونية في جميع الأزقات. وعليها الاقتداء بالعفيفات الطاهرات النظيفات الفاضلات كأمهاتنا وبناته صلى الله عليه وسلم اللائي أمر الإسلام بقدوتهن كزوج فرعون بقوله
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَوكمريم التي أثناها الله بقوله
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
ومن أهم أسباب ضربهما أسوتين أنهما تمسكتا بقوله تعالى 
وَٱلْقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِى لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَٰتٍ بِزِينَةٍۢ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 
ومما لا تناطع فيه العنزان ولا يختلف فيه اثنان، أن النسوة اللائي لا حياء لهن يشرن ببنان الذلة والغضاضة كما في سورة يوسف 
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِى ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفْسِهِۦ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ
 وقد أمر الإسلام بالتحلي به باجتناب تبرجهن بقوله 
وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ
وعليها أيضا أن لا تكون كالنسوة اللائي نهى الله قدوتهن كامرأة نوح ولوط عليهما السلام بقوله 
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍۢ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍۢ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَٰلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا وَقِيلَ ٱدْخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ 
حتى تركها الله في الضلالة ولم ينجها مصداقا لقوله عز وجل 
فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ 
أعاذ الله أخواتنا من غيابة الجهالة وأعماق الغباوة.. آمين. 


محمد صفوان 

باحث مجمع ك.أم.أو الإسلامي، كودوالي 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم