شاعت اللغة الطبية منذ قديم الزمان، واختار لها علماء العربية ألفاظا أصولية فمنها الإبرة، أي نخس شيء بشيء مسنون، والزُّكَام ، وهو تَحَلُّب فُضُولٍ رَطْبَةٍ من بَطْنَي الدِّماغ المُقَدَّمَيْن إِلَى المَنْخِر، والصُداع وهو وجع الرأس وغيرها الكثير كما جاء عند الرازي، وابن سينا، وابن الهيثم، وأبي القاسم الزهراوي .
وقد اهتّم اليونان بذلك بوضع مصطلحات طبية كما جاء عند ابقراط ،وجالينوس، وأولوس كورنيليوس ،ولويليام هيبردين ، وشبّه اليونان الهياكل التشريحية بالآلات الموسيقية على سبيل المثال tuba) = البوق، tibia = الناي)، والدروع (thorax = صدرية، galea = خوذة)، والأدوات (fibula = إبرة، falx = منجل)، والنباتات (uvea = عنب،glans=بلوط)،والحيوانات(helix = حلزون، concha = بلح البحر ،وmusculus = فأر، tragus = ماعز(، وهو تشبيه على عكس ما موجود عندنا نحن العرب فألفاظ الأمراض أخذت من واقع اللغة ومعانيها ، زيادة أنَّ اللغات الأوربية اشتقت مصطلحاتها من اللاتينية على سبيل المثال (Coronararterien (الشرايين التاجية) لـ arteriee coronariae) أو ترجمتها إلى الألمانية (على سبيل المثال ) قرحة المعدة Magengeschwür ، بدلاً من التهاب البطين ulcus ventriculi ).
كذلك أنَّ الأوربيين حافظوا على المرض المركب من اللغة اليونانية وليس من اللغة اللاتينية الأصلية؛ لأنَّ اللغة اللاتينية لا تسمح باللفظ المركب كما في استئصال الكلية excisio renis ،وتنظير قاع العين spectio oculoru، وكريات الدم الحمراء cellula rubra ؛لأنَّها في اللاتينية الطبية تكون أكثر تعقيداً إلى حد ما . وبهذا نرى اللغة الإنجليزية هي السائدة في استعمال المصطلح الطبي كما في كلمة AIDS (الأيدز) لكنها في الفرنسية والإسبانية تُكتب SIDA وفي الروسية SPID وهذا ما يولد مشاكل عند الدارسين في الكليات الطبية بين بلد وآخر.
وعلى الرغم أنَّ اللغة الطبية استخدمت أكثر من 2500 سنة إلا أنَّ دول العالم ما زالت تعاني من إشكالية المصطلح الطبي، زيادة أنَّ التفصيل بالمرض يحلل لنا المصطلح وهذا أمر مهم كما في حالة ظهور طفح جلدي على أي جزء من الجسم، فإنَّ الشخص المصاب يصاب بالحمّى والكسل وفقدان الشهية وما إلى ذلك، فعملية المعلومات اللفظية تحلل لنا المصطلح الطبي وإنْ اختلف فيه ، زيادة عن التواصل مع المرضى وشرح هذا الأمر بالتفصيل والتمثيل له ، وعمل ملصقات متناسبة مع المرض وبدايته ،والوقاية منه ،وعلاجه .
ولا شك أنَّ المصطلحات العربية الطبية القديمة بقيت محافظة على أصالتها ، والتعبير عن معنى لفظها سواء أكان المصطلح مفرداً أم مركباً ، وهذا يكون عن طريق ترجمة الكتب الطبية القديمة ومقارنتها مع المصطلحات الأوربية الحديثة ، فقد نجحت جامعات الطب في سوريا إلى إيصال معنى اللفظ بكل سهولة ، وهذا الأمر لم يعاب عليهم ، بل أصبحت كلياتها من أفضل كليات الطب في عالمنا العربي والإسلامي .
إنّ اللسانيات الطبية مهمة جداً فيستطيع أي باحث أنْ يأخذ مثلاً أمراض العين ، ويقارنها مع إحدى كليات الطب في روسيا ،وأمريكا ،وبريطانيا، وألمانيا ،وإيران مع التأصيل لهذه الألفاظ وبيان دقة مصطلحها في نوعية المرض ، والتشخيص له. ولهذا يجدُ الأطباء العرب معاناة في طريقة البحث العلمي ، وبحثهم عن المصطلحات مما يضطر إلى الترجمة ؛للبحث عن معلومة فريدة في اللغة الألمانية أو الروسية ربما لا يجدها في اللغة الإنكليزية ، ولهذا يلجأ أغلب الباحثين إلى الدراسة الميدانية فيجدون مبتغاهم في الجامعات الريادية في أمريكيا أو بريطانيا، أو ألمانيا أو غيرها من الجامعات، مما لا يجدونها في جامعاتهم العربية.
ولذلك تجد قصوراً في المعلومات الطبية في جامعاتنا ؛ ويعود السبب إلى أمرين الأول عدم التحري في الكتب الطبية العربية القديمة ، وإقامة مراكز بحثية في الجامعات ،والثاني عدم ترجمة البحوث المهمة من قبل الأطباء الماهرين، والمراكز الطبية المشهورة في أوربا.( ينظر:العين5/234، وتهذيب اللغة 2/ 6 ،ومقاييس اللغة 1/35 ،واللغويات في الرعاية الصحية: لماذا هي مهمة؟،بقلم: ليديا إل. كيم ، ولغة الطب بواسطة اليسون روثا مور، واللغويات الطبية التحليل اللغوي للأمراض/إيرجاشوفا شهيدا أولماسوفنا ، واللغة الطبية - ظاهرة لغوية فريدة/ بوزينا دزوغانوفا، و لغة الطب /هنريك ر. وولف ).
أ.د صباح علي سليمان
كاتب عراقي