نيبال دولة عظيمة, بل تاريخها غابر بثورات ومشكلات متوالية. في أوائل الزمان كان حكّامها ونظّامها العائلة المالكة, بعد مر الزمان وكر الدهور ارتفعت أصوات الخلاف والنزاع لدى الحكم الملكي, وتدريجيّا في 2006 بمظاهرة جمعيّة بين الأحزاب السياسيّة النيباليّة تغيّر نظام حكمه إلى الديموقراطي وحكمت الأحزاب واحدا فواحدا حتى استقر الحكم في أيادي شرما أولي وحزبه الشيوعي, لكن, بعد حكم طويل يمتدّ خمس عشرة سنة ارتفع نحو الحكومة اتهامات الفساد والمحسوبيّة, أوّلا ظهرت في المنصّات الإجتماعيّة مقاطع وصور أبناء السياسيّين والمسؤوليّين الذين يعيشون في ترفّه وزينة وعامة نيبال ليس لهم طعام وشراب كاف أشعر خلافهم بتشييع وانتشار هذه المقاطع والصور.
لسلامة الحكومة من هذه الكارثة قدّمت الحظر على التواصل الإجتماعية حتى الفيسبوك وانستجرام وواتساب, بل, خلافا لمظنونات الحكومة أشعل الحظر نيران الاحتجاج والمظاهرة و"جيل زد" الّذين يعتبرون المنصّات الاجتماعيّة جزءا من حياتهم شنّ الإغارة في الشوارع وملئ المحتجّون في كلّ أراضي نيبال مناديا نعرات الاستقلال والسيادة, حينما اشتدّ هذه المظاهرة انضمّ الشرطة بالنقع والدفع ومن خلاله أطلقت الرصاص نحو المحتجّين وتسبب في مقتل 19 أشخاص, هذا أضاف شدّة المظاهرة وتغيّر نظامه من السكون إلى الاندلاع, فبدأوا بانهدام المباني الرسميّة وانحصار السياسيّين والمسؤوليّين حتى قهروا البرلمان وأتلفوه بالإحراق. هكذا صار الاحتجاج الساكن إلى ثورة عارمة ضدّ الفساد المستشري في نيبال, وسمعت أصدادها في أجواء نيبال ودأماءها.
إضافة إلى ذلك منظّمون لهذه الثورة شبّان عمرهم بين 18-28 المعروفون عامّة "جيل زد". في هذه الثورة احتُرق دور السياسيّين والمسؤوليّين وتذوّقوا ذوق الإهانة والتذلّل, أخيرا مخافة من هذه العاقبة استقال رئييس الوزراء شرما أولي.مخالفا لعادة الثورات الواقعة في الدولة أو في منطقة معيّنة, في هذه الثورة يتدخّل الجيش في نقعها ودفعها بداية وسببه كما قال قائد الجيش أشوك راج :"إذا تدخّلنا بالدفع وهو يسبّب في بغض العامّة لدى الجيش". حاليّا يعود الوضع في نيبال إلى طبيعته وتدريجيّا يرجع الناس إلى حياتهم اليوميّة كما كانوا, بل, هناك سؤالان مهمّان, ماذا بعد الثورة؟ ومن يحكم نيبال بعد شرما أولي؟, جوابا لهذين السؤالين وصل المحتجّون إلى تنظيم الحكومة المؤقتة وارتفع إلى منصب رئيس الوزراء أسماء منها: بليندرا شاه حاكم منطقة كاتماندو وداعم للثورة وسشيل كركي أوّل امرأة نيباليّة وصل إلى منصب رئيس المحكمة العليا وغيرهما, من خلال هذه المشاورة والمنقشة وانقسام بين المحتجّين التقى ممثّلون للمحتجّين ولجنة المحكمة وتسلّموا لتعيين سشيل كركي رئيس وزراء نيبال المؤقت, لهذه الواقعة خصوصيّة أيضا وهي أنّها أوّل امرأة في منصب رئسيس الوزراء في تاريخ نيبال, وتولّت الحكم في أيلول/سبتمبر 13 الساعة التاسعة مساءا.
لا نستطيع أن يقتصر عبرة هذه الثورة ودعوتها إلى نيبال فقط, بل, السبب الرئيسي الّذي أدّى إلى الثورة أساسا وهو الفساد المستشري موجود في الهند أيضا, لذا هذه الثورة عبرة وإنذار للهند وسياسيّيه وحكّلمه واستشار لهم أن يعودوا من هذه التراكيب المستوعرة والسياسات الفاضحة إلى أسلوب معنيّ بمناصبهم السياسيّة والحكميّة.
خلاصة,
هذه ليس ثورة عاديّة يشهده العالم بالخوف والازعجاج, بل, هذه نهضة ثقافيّة وأوديولجيّة
مشاركوها "جيل زد" المصقّل المهذّب بالأخبار والنزعات المدركة من
المنصّات الاجتماعيّة.
محمد أجمل
طالب ك.إم.أ الإسلامي