مولد النبي ﷺ : ميلاد الحضارة والثقافة



إن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد واقعة أو حدث بل هو أعظم نقطة تحول حدثت في تاريخ البشرية كلها، لقد ولدت بولادته صلى الله عليه وسلم الحضارة والثقافة والعلم والمعرفة، وقد ولد في هذا الشهر في الجزيرة العربية رجل غير مجرى التاريخ.وكيف لا وهو الذي حول من رعاة الأغنام إلى سادة العالم وقادتها. يشهد التاريخ أن العالم ولا سيما الجزيرة العربية كانت تتسكع في غياهب الظلمات وأودية الضلال والمحرمات حتى بزغ شمس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فانقشعت الغمة وتبدلت حالة الدنيا وكأنها ولدت من جديد. في ذلك العصر، كانت العرب في جهالة وكانوا يغوصون في الشرك والكفر ويخاصمون فيما بينهم فقد بعث الله تعالى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لإنهاء جميع هذه الأفعال الخبيثة .و من الحقائق التاريخية الخالدة التي يعترف بها الأعداء الألداء أنه صلى الله عليه وسلم جعل من أمة وحشية ظالمة أمة وسطا صاروا فيما بعد سادة العالم وقادته وخاصة عمل على دفن كل جاهلية تحت قدميه الشريفتين وقال قولته المشهورة الرائعة التي رويت في الحديث الشريف:ألا كل جاهلية تحت قدمي هاتين مدفون.

أرسله الله تعالى في ذلك العصر وما أرسله الله تعالى إلا رحمة للخلق ودعوة الخلق إلى عبادة الله كما ذكر في القرآ ن أيضا: وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ (الأنبياء). نفهم من هذه الآية المباركة أنه صلى الله عليه وسلم بعث لكافة الناس مثل الحيوانات والكفار أيضا لإنذارهم من العذاب واليوم الآخرة ولإرشدهم إلى طريق الجنة ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وكان صلى الله عليه وسلم رحيما لجميع الناس للفقراء والضعفاء وااليتامى والمساكين وكل العالمين. وإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قام بإملاء قلوب الناس إيمانا وحماسا وعاطفة وحبا للقيم والأخلاق وبغضا للمناكير والفواحش.

قبل مجيئ وولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا كانت العرب في مشاكل كثيرة كما أنهم يخاصمون بينهم لأموال الفقراء وهم لا يساعدون الفقراء ولكن يظلمون عليهم في جميع الأوقات وهم الذين يشركون بالله ويعبدون الأصنام مثل لات ومنات وعزى وهبل وغيرها.والفقراء لا يفهمون كالإنسان ويعامل معهم مثل الحيوان وإن تولد البنات الصغيرة فتدفن حيا في ذلك الوقت وتظلم النساء ولا تعطى حقوقهن النفسية التي كانت ضرورية لأخذهن في حياتهن المباركة. وكان أكثر العرب جهلاء وكانت التعليم والتدريس في نوادر الطبقات وتجد قليل من العلماء والطالبين في ذلك العصر الجاهلية.

ميلاد الحضارة الإسلامية

إن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ميلادا فحسب بل كانت ميلاد فجر جديد وثقافة وحضارة نيرة أشرقت الدنيا بأكملها . عندما كبر النبي صلى الله عليه وسلم عمرا فبدأ ليدعو الخلق إلى سبيل الهداية والخير. وكان يتيما وفاقد الأبوين وإذا تصفحنا كتب السيرة النبوية الشريفة التي صاغها وألفها الحكماء قديما وحديثا فنجد إذا ذكر العظماء يكون أعظمهم وإذا ذكر الرسل والأنبياء يكون مقدمهم وخاتمهم خاتم النبيين إمام الثقلين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أزال النبي صلى الله عليه وسلم جميع الأفعال الشنيعة والقبيحة التي كانت تعمل به العرب وفي ذلك العصر شرع التعليمات الإسلامية في مكة هكذا كان أعظم الناس وأشرف الخلق. كما دعا إلى عبادة رب العالمين الذي خلق جميع الأشياء الشمس والقمر وغيرها في هذا الكون. والوحدة هي أساس من أسس الإسلام إذا أراد أحد لدخول في الإسلام فعليه أن يؤمن أن لا إله إلا الله ولذلك دعا أولا بتوحيد الله سبحانه وتعالى.

إقامة العدالة والإنصاف:

لقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم العدل والإنصاف في العرب كله لأن الإسلام يقوم على كثير من الأعمال كما ذكرت في الحديث الشريف عندما سأل جبرئيل عليه السلام من محمد ابن عبد الله ما الإسلام؟ فأجاب وقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا وهكذا هذا مبنيا على العدالة والإنصاف وقد درس النبي صلى الله عليه وسلم وعلم الخلق ليقوموا جميع الأوقات بالعدالة مع الناس في أي حال أو أي مكان كان.

ومن أهم الدعائم التي قام عليها بناء الإسلام هي دعامة العدل والإنصاف فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم صحابته كيف تقام العدل وكيف تقسم الحقوق بين الناس. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال في هذا المجال فقد روي في كتب الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم قال: لَو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنت مُحَمَّد سَرقت لَقَطَعتُ يَدَهَا. فمن ذلك الحديث علينا أن ندرس ونتعلم أن الإسلام قد أوصى لنا لنقيم العدالة والإنصاف والحدودعلى كل واحد ولو كانوا أولي قربى.لكن ماذا يجري الآن في العصر الحديث، فلاالضعفاء ينالون العدالة ولا النساء يحصلىن على حقوقهن مع تطور هذا العصر المدهش،وهي تظلم جميع الأوقات والأمراء لا يفهمونهن إلا كالحيوانات. وكذلك يعمل معهم الأفعال القبيحة التي لا يأذن الإسلام بمعاملتهم هكذا معهم. لا بد لنا أن نفهم ماذا يدرس أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في حياتنا المباركة كذلك يجب العمل في هذه الأحاديث الرائعة.

 أخلاق الرسول النبيلة:

 إن السيرة النبوية الشريفة تدرس وتعلم الإنسان الأخلاق الكريمة والرائعة مثل الصداقة والعدالة والرحمة والصبر والتواضع في جميع الأحوال كما ذكر في الحديث الرائع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّمَا بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخلَاقِ . نعني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال فعلينا أن نكون ذوي مكارم الأخلاق مع جميع الناس وإن كان حبشيا أوصغيرا أو كبيرا أو يتيما أو ضعيفا لأن جميعهم خلق الله ونحن من أمة مسلمة.

المساواة وحقوق الإنسان :

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعدل الناس وديننا الإسلام نظام متكامل لحياة الإنسان لأن فيه جميع حقوق الإنسان والنبي صلى الله عليه وسلم عدل مع العرب والعجم وأيضا مع الأسود والأبيض كما قال في خطبته في حجة الوداع: لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى. فالتقوى هي شعرة من شعائر الإسلام والقرآن تدل عن التقوى فقول الله تعالى: إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم. فمن هذه الآية الكريمة ننبغي أن نكون ذا التقوى في القلوب في جميع الأوقات والحديث المذكورعن عائشة رضي الله عنه تدرس عدالة النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام.

هجرة الرسول صلى عليه وسلم من مكة إلى مدينة المنورة

لما اشتد أذى قريش على المسلمين في مكة المكرمة هاجر أكثر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بإذن رسول الله ﷺ ولكن انتظر نبينا صلى الله عليه وسلم إذن الله تعالى ولما أذن للنبي بالهجرة كانت هذه الهجرة أيضا في شهر ربيع الأول فخرج سرا مع صاحبه الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ثم وصلا إلى المدينة المنورة . وما هاجر النبي ﷺ إلا لدعوة الخلق ولتبليغ الرسالة إلى شعب المدينة المنورة. وهناك تأسست أول دولة أسلامية والإدارة المنظمة وجميعها وقعت في شهر ربيع النور.

الدروس من تعاقب الأحداث في شهر واحد

إن اجتماع ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وهجرته وبعض الغزوات في شهر واحد مثل غزوة بواط وغيرها. له دلالة عظيمة على عمق علاقة المحنة. فمولده كان نورا لقلوبنا ولجميع العالم. وهجرته كانت بداية دولة ووفاته في هذا الشهر العظيم اختبارا لثبات الأمة وهذا يجعل شهر ربيع الأول شهرا للتأمل والتقييم للعودة إلى السيرة النبوية الشريفة.

وفي الأخير، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلألأ تلألأ القمر ليلة البدر وكان نورا ومنيرا وأما نوره فقد كان في حياته. وأما كونه منيرا فبعد مماته بدعوته وشريعته وسنته. فيمكن القول بأن شهر ربيع الأول ليس مجرد اسم في التقويم الهجري بل هو فصل من فصول النور وشهر من شهور الرسالة. فكلما أشرق علينا ربيع الأول علينا أن نتذكر أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ميلاد رسالة عظيمة وميلادة مسؤولية في حياتنا.والدرس الخالص من هذه المقالة إن ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فقط مولدا لشخص واحد بل كان مولدا لحضارة إسلامية خالدة وثقافة نيرة قامت على التوحيد والعلم والرحمة والعدالة.


 ريحان عالم 

طالب مؤسسة قرطبة للتميز العلمي, كشنكنج، بيهار.



 

إرسال تعليق

أحدث أقدم