شهدت منطقة بهلغام في كشمير، بتاريخ 22 أبريل، هجومًا إرهابيًا مروّعًا أدى إلى مقتل 26 شخصًا وإصابة أكثر من 20 آخرين، وقد أعلنت "جبهة المقاومة"، وهي منظمة يُعتقد أنها مدعومة من جماعة "لشكر طيبة" الإرهابية المتمركزة في باكستان، مسؤوليتها عن الهجوم.
ردًا على هذا الاعتداء، اتخذت الهند سلسلة من الإجراءات الانتقامية تجاه باكستان، فقد جمّدت أولًا معاهدة مياه نهر السند، الموقّعة بين الدولتين عام 1960، وأغلقت مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الباكستانية والطائرات العسكرية، كما أغلقت معبر "واجا-أتاري" الحدودي بين البلدين، بالإضافة إلى ذلك، أوقفت الهند إصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وأمهلت الموجودين منهم في أراضيها ثلاثة أيام لمغادرتها.
أنتم تعلمون جيدًا أن هذا الهجوم كان عدوانًا دوليًا، وأن الردّ الهندي لم يكن خيارًا بل واجبًا وطنيًا، وتشير بعض المصادر إلى احتمال اندلاع حرب كبرى بين الهند وباكستان، والخبر المقلق أن باكستان تمتلك ترسانة نووية تفوق ما تملكه الهند، وقد أجرى الطرفان تجارب بحرية عسكرية في البحر العربي، مما زاد من حدّة التوتر.
وسط هذه التطورات، يبرز سؤال مهم كيف وقع هذا الهجوم الإرهابي الكبيرفي كشمير؟
خاصة وأن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي صرّح بعد إلغاء المادة 370 من الدستور قائلًا: "من الآن فصاعدًا، لن تُسمع في كشمير أخبار عن الإرهاب"، مؤكدًا أن قوات الأمن والشرطة والجيش ستكون منتشرة في جميع أنحاء الإقليم.
ولكن للأسف، شهدت كشمير بعد ذلك زيادة في الهجمات الإرهابية، وآخرها ما وقع في بهلغام بتاريخ 22 أبريل 2025، الأمر الذي يطرح تساؤلات حقيقية حول مصداقية تلك الوعود وضمان الأمن الذي تم الترويج له.
لا مفرّ أمام الحكومة سوى الاعتراف بوجود خلل أمني خطير، فقد صرّح أحد المسؤولين للإعلام قائلًا: "لم يكن هناك أي شرطي أو جندي في بهلغام وقت الهجوم"، وأضاف: "إذا كنتم
تظنون أن بهلغام منطقة غير مهمة ولا تستقطب السياح، فأنتم مخطئون، هذا المكان يُعرف باسم 'سويسرا الصغيرة'، ويزوره يوميًا أكثر من 2500 سائح، ومع ذلك، لا توجد به البنية التحتية الأمنية الكافية، ولا تصل إليه وسائل النقل إلا سيرًا على الأقدام أو على ظهر الخيل، مما يزيد من هشاشته الأمنية.
لكن المثير للانتباه ليس فقط بشاعة الحدث، بل أيضًا طريقة التعامل الإعلامي معه، إذ لم تُسلّط وسائل الإعلام الضوء على الخلل الأمني الذي تسبب في وقوع هذا الهجوم، بل انشغلت معظمها بالدعوة إلى الانتقام، متجاهلةً مسؤولية الحكومة عن هذا التقصير الأمني الفادح.
وفي الدول الديمقراطية، يُفترض أن يكون هناك محاسبة واضحة في مثل هذه الحالات، وغالبًا ما تليها استقالات لمسؤولين كبار مثل وزيري الدفاع أو الداخلية، إلا أن المشهد في الهند يبدو مختلفًا، إذ لم تُطرح تساؤلات جدية حول أداء الحكومة، ولم تُحمّل أي جهة رسمية المسؤولية عمّا حدث.
والمفارقة أن رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي نفسه، كان قد وجّه في عام 2014 سؤالًا شديد اللهجة إلى رئيس الوزراء الأسبق مانموهان سينغ، عقب هجمات مشابهة في كشمير، قال فيه:"كل قوى الأمن والشرطة والجيش تحت سيطرتك، وجميع أجهزة الاستخبارات بين يديك، "
فلماذا لا تستطيع وقف الهجمات المتكررة في كشمير؟
فهل سيجيب اليوم على السؤال ذاته، وهو الذي باتت كل هذه الأجهزة تحت سلطته؟
أيها الصحفيون، اسمحوا لي أن أصفكم بالجبناء، لأنكم تقصّرون في أداء مسؤولياتكم خوفًا من السلطة والحكومة.،فعندما تسألونني دون تفكير " هل تعني أن الانتقام من الإرهابيين "ليس أمرا مهما"؟، فإن جوابي واضح : ليس هذا مقصدي على الإطلاق.
إنما أدعوكم للتفكير بعمق: بعد كل هجوم، ينشغل الجميع بالحديث عن الانتقام، ويقوم الجيش الهندي بعملية كمين أو ضربة جوية، فتنتهي مشاعر الحزن والثأر، ويعود كل ش يء إلى
طبيعته... ولكن، هناك سؤال يؤرّق القلوب:
منذ ما قبل عام 2019 وحتى اليوم، شهدت كشميرسلسلة من الهجمات الإرهابية، ولم يُؤدِّ أي رد أوانتقام إلى إنهاء هذه المأساة، بل تتكرر الهجمات مرة بعد أخرى، كأنها حلقة لا تنتهي.
فكيف للكشميريين أن يعيشوا دون حل دائم لهذه الكارثة الكبرى؟ في كل مرة نسمع عن مقتل جندي في كشمير، وكأن ذلك أصبح أمرًا اعتياديًا.
أليس من حقنا أن نتساءل: متى يكون هناك نهاية لهذا كلّه؟ أليست الهند قادرة على حماية سكانها؟
النقطة الأهم التي أودّ التأكيد عليها هي أن لكل إنسان قيمة عظيمة، وله عالم خاص به، فيه أمّ وأب، زوجة وأطفال، عائلة تنتظر عودته، وإذا مات، يُصبح عالمه يتيمًا، بلا سند... تمامًا كما لو فقدت دولةٌ رئيس وزرائها أو أحد حكّامها.
لذلك، أقولها بصدق ووضوح:
يجب أن يعيش الكشميريون في أمان تام، وأن تُحمى حياتهم وثقافتهم وأنسابهم وسماتهم، كما تُحمى أرواح الآخرين.
ومن أجل تحقيق ذلك، أناشد أصحاب القرار أن يطبّقوا مشاريع حماية شاملة في كشمير، وأن يولوا هذه القضية أقص ى درجات الاهتمام.
محمد أجمل
طالب مجمع ك. أم. أو الإسلامي بكودوالي